المنعطف .. والمدينة العجيبة
كان رجل ذكي يبحث عن الثراء بأية وسيلة، لهذا قرر السفر إلى مدينة بعيدة بحثاً عن الثروة. ركب سيارة الباص وجلس في مقعده الخاص وراح ينظر من خلال النافذة إلى لحقول الواسعة في السهول وإلى الجبال الشاهقة.
لسيارة تنطلق في طريقها وكأنها زورق ينساب يرفق وأحياناً تهتز بقوّة بسبب بعض الحفر الصغيرة في الطريق.
ثم راحت السيارة تتمايل بسبب المنعطفات حتى وصلت إلى منعطف حاد فمالت السيارة بشدّة.
لم يستطع سائق السيارة السيطرة على الموقف فخرجت عن الطريق وأصيب المسافرون بالفزع الشديد وقفزوا من أماكنهم وحدثت الفوضى وأجيب السائق بالهلع وإذا بالسيارة تميل أكثر فأكثر إلى أن سقطت على جانبها الأيمن.
وراح المسافرون يخرجون من النوافذ مذعورين وكان أول من خرج منهم ذلك الرجل الذكي.
خرج المسافرون من السيارة وراحوا يتفقدون أنفسهم ويتفقدون ذوبهم وحمدوا الله على السلامة في هذا الحادث فالجروح طفيفة.
الرجل الذي وعلى خلاف المسافرين راح ينظر إلى الطريق ويتأمل في المنعطف الحاد الذي تسبب بوقوع الحادث، لهذا لم يشارك المسافرين في أعادة الباص إلى حالته العادية ولم يساعد السائق في فحض أجزاء السيارة وفي شدّ أطار العملية الاحتياط بدل الإطار المنفجر.
أدار السائق مفتاح المحرك فدار لحظات ثم توقف، أدارة مرّة أخرى فنجحت محاولته خرج المسافرون استوت سيارة الباص فوق الطريق البعيد وصعد المسافرون جميعاً ما عدا ذلك الرجل… نادى احدهم عليه ولكن الرجل يلتفت أبداً وظل مستغرقاً في أفكاره.. نادى عليه شخص آخر وشخص ثالث ورابع ولكن لا فائدة أنه لا يريد أن يركب لهذا أطلق السائق صوت المنبّه ثم بدأت السيارة السير في طريقها… أما الرجل الذكي فقد اختفى لم تكد تمرّ أيام وأسابيع قليلة على اختفاء الرجل حتى ظهر ومعه عدد من العمال… ماذا يفعل الرجل هنا في هذا المكان المقفر؟!
ويبني ورشة لتصليح السيارات هذا المنعطف أفضل مكان لكسب الثراء.. فما أكثر السيارات التي تتعرض للحوادث في هذا المنعطف الحادّ.
كانت هناك لافتة مرورية تنبه السائقين إلى اقترابهم من المنعطف.. لا أحد يعرف كيف اختفت تلك اللافتة!!
لقد كان الرجل ذكياً حقاً بدأت ورشة التصليح العمل وبدأ الرجل يكسب المال انتبه الرجل الذكي إلى مشروع آخر ماذا لو ينشئ مقهى لأن سائق السيارة يحتاج إلى مكان يستريح فيه إلى أن يتم تصليح سيارته نجح مشروع المقهى نجاحاً باهراً ـ وراح الرجل يجني المال والنقود مرّة أخرى فكر الرجل الذكي.. أن بعض المصابين بحاجة إلى مستوصف طبي للعلاج من الكسور والجروح.
سافر الرجل إلى المدينة واتفق مع فريق طبّي وسرعات ما نهض مستوصف طبي لمعالجة المصابين والجرحى. وراح الرجل الذكي يكسب المال أكثر فأكثر.
وبعد مدّة نهضت في ذلك المنعطف بناية كبيرة أنتها فندق فخم مجهّز بكل وسائل الراحة ويضم مطعماً يقدّم مختلف أنواع الأكلات الشهية وبعد مدّة ظهر سياج يحيط مساحة من الأرض.. ترى هل يريد الرجل الذكي أنشاء مساحة لكرة القدم؟
كلا.. أنها مقبرة عن جرحى وعن قتلى بسبب شدّة الإصابة!!
وخلال مدّة قصيرة ظهرت في ذلك المكان مدينة عجيبة مؤلفة من مؤسسات كثيرة الناس الذين يعملون فيها ينظرون نظرة امتنان إلى ذلك المنعطف الحادّ حيث تتعرض السيارات إلى حوادث مختلفة ورشة تصليح السيارات تعمل وتكسب المال والنقود المستوصف يعمل ويكسب المال والنقود المقهى يعمل والفندق يعمل والمطعم يعمل حتى المقبرة بدأت تعمل وتكسب المال الكثير.
وهكذا أصبح الرجل الذكي ثرياً واسع الثراء وأصبح زعيماً كبيراً فهو يدير جميع المؤسسات في تلك المدينة العجيبة.
الناس في تلك المدينة يدينون بالولاء والطاعة للزعيم الكبير ينفذون أوامره ولا يعصون له أمراً.
وكلما كانت الحكومة تقوم بوضع لافته مرورية تحذر من المنعطف كانت اللافته تختفي ولا أحد يعرف كيف؟!
أخلاق الناس في هذه المدينة لا تشبه الأخلاق في المدن الأخرى، فهم يفرحون عندما تحصل حادثة سير وكلما كانت الإصابات أكثر واخطر، كان فرح الناس أكثر وأكبر.
وهكذا نمت المدينة نمواً سرطانياً وبدأ بعضهم يرمي أسلاكاً جداً ومسامير قبل المنعطف وبعده لكي تنفجر إطارات السيارات. كان ذهنهم المريض هو الذي يدفعهم إلى التفكير في هذه الأمور.
ذات يوم اقترح رجل طيب القلب تشجير المنطقة وإقامة مدينة العاب صغيرة لجذب المسافرين وتشجيعهم على التوقف في ذلك.. ولكن اقتراحه لم يجد آذاناً صاغية بحجية أن مشروعه يكلف ميزانية كبيرة!! في حين أن رمي المسامير والأسلاك لا يكلف شيئاً ويحقق الربح المطلوب!
وتمرّ الأيام والأسابيع والشهور وذات يوم هب الشرعية مذعوراً بعد أن سمع بأن وزير الطرق والمواصلات ينوي زيارة المدينة العجيبة.
عقد الزعيم إجماعاً طارئاً مع أعوانه ومعاونيه وبعد ساعات من التداول توصلوا إلى أن يتم ترتيب استقبال حارّ لسيادة الوزير وإغراقه بالهدايا الثمينة… وبهذا يمكن تجاوز الخطر.
ووصل موكب الوزير وقد نظم الزعيم مراسم الاستقبال في مقرّ إقامته في قصره المنيف فوجئ الجميع بموكب الوزير يتجه نحو المقبرة ترحيل الوزير من سيارته وقرأ الفاتحة على أرواح ضحايا حوادث السير.
وبعد ذلك اتجه الوزير نحو الميدان الرئيسي في المدينة وألقى كلمة بشّر الناس خلالها بمشروع الحكومة الحديد في إجراء تعديل على الطريق وإزالة هذا المنعطف لأنه يمثل خطراً كبيراً يهدد حياة الناس.
فوجئ الوزير بموقف سكان المدينة فقد انهالوا عليه بالطماطم والبيض الفاسد اضطر الوزير إلى مغادرة المدينة عائداً إلى العاصمة.
وفي اليوم التالي خرجت مظاهرات كبيرة تندد بزيارة وزير الطرق والمواصلات وتطالب بإلغاء مشروع الحكومة فوراً لأنّه يهدد مؤسسات المدينة جميعاً بخطر الانهيار!!
في العاصمة عقدت الحكومة اجتماعاً طارئاً لمناقشة الأوضاع في المدينة العجيبة وإثناء ذلك كانت المظاهرات الاحتجاجية تتواصل.. ولا ندري ماذا حصل بعد ذلك!!!