في مواجهة الغزاة
رياح الصحراء
مرّت أربعة شهور على معركة أحد، اندملت بها جراح كثيرة وانصرف المسلمون خلالها إلى العمل في حقولهم وبساتينهم، وفي أيام الجمعات كانوا يجتمعون في مسجد النبي (ص) فيستمعوا إلى خطب الرسول الأكرم (ص) يعلمهم ويعظهم وينشر بينهم القيم الأخلاقية.
كان النبي (ص) يعلمهم ويهذّب صفاتهم، وكانت قيم الإسلام تشعّ من فوق المنبر وكانت سيرة النبي (ص) مثالاً سامياً لكل إنسان يحب الكمال.
تعلم المسلمون كل ما هو إنساني، ونبذوا كل ما هو شيطاني.
كان يوصيهم بوصايا كلماتها قليلة ومعانيها عظيمة، جاء رجل فقال: يا رسول الله أوصني
قال (ص): أحفظ لسانك.
وقال لآخر: لا تغضب. أن الرجل القوي الذي يملك نفسه عند الغضب.
وقال يوصي رجلاً: إياك والطمع فإنه الفقر الحاضر.
وكان (ص) يحث على المحبة والسلام.
قال ذات يوم وهو يوصى المسلمين جميعاً.
ـ المسلم من سلم الناس من لسانه ويده.
وقال يوصي بالمرأة:
ـ <أن الله تعالى يوصيكم بالنساء خيراً، تأتهن أمهاتكم وبناتكم وخالاتكم>.
وقال (ص):
ـ <خير لكم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي>.
<ما أكرم النساء إلا كريم ولا أما نهن إلا لئيم>.
وقال (ص) يوصي الأجيال القادمة على امتداد التاريخ.
ـ أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة أن يصل الرحم وإن كانت منه على مسيرة سنة فإن ذلك من الدين.
وكانت كلمات النبي (ص) تنتشر في القضاء كعطر الورود وتنتقل هنا وهناك كفراشات بشر بالربيع.
أما آيات القرآن الكريم فكانت تسطع كالشمس تضيء الطريق للمؤمنين المخلصين.
نعم كان سيدنا محمد (ص) رسول المحبّة والسلام.
أحياناً كان يجلس في المسجد حوله المؤمنون يصغوا إلى كلماته وينظرون إلى هالة النور حوله وجهه، فيشعرون بالطمأنينة والسلام.
الوفاء
كان النبي (ص) جالساً في المسجد اليوم أحد أيام شهر صفر سنة 4 للهجرة تموز سنة 625م قال النبي (ص) يحدث أصحابه:
ـ لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له وفي الأثناء دخل عدّة رجال قال رئيسهم:
نحن من عضل والقارة فأرسل معنا من أصحابك من يعلمنا الدين وشرائع ويقرؤنا القرآن.
نظر النبي (ص) إلى أصحابه فنهض ستة رجال:
مرثد الغنوي وخالد بن البكير وعالم بن ثابت وخبيب بن عدى وزيد بن الدثنة وعبد الله بن طارق.
عين النبي (ص) مرثد الغنوي قائداً عليهم وفي اليوم التالي انطلق الجميع نحو منابر القبيلة التي تقع بالقرب من مدينة مكة.
وعندما وصلوا إلى عيون الماء في منطقة <الرجيع> تبادل رجال قبيلة عضل والقارة نظرات الغدر.
وصرخ أحدهم بصوت عال، وما لبث أن ظهر عشرات من قبيلة هذيل وبأيديهم السيوف.
في تلك عندما كان رسول الله (ص) يدعوا الناس إلى الإيمان بالنور الذي سطع في جبل حراء؛ كان أبو سفيان يحرمن القبائل العربية لإطفاء هذا النور وكان يحرك في نفوسهم الطمع في خيرات يثرب لهذا كانت بعض القبائل تستعد لغزو المدينة.
كانت هذيل من تلك القبائل، لهذا ما إن سمعوا النداء حتى هب رجالها وأحاطوا بأصحاب النبي (ص) الستة.
قال رجل من قبيلة عضل:
ـ لا نريد قتلكم سلموا أنفسكم فقط.
قال مرتد:
ـ لقد غدرتم بنا
قال الرجل المشرك:
ـ نريد تسليمكم إلى قرش
ـ لماذا
ـ مقابل المال
ـ وإذا لم نفعل
ـ سنقتلكم جميعاً
ـ إننا لا نخاف من القتل
ـ ولماذا تقتلون أنفسكم.. الأفضل أن تستلموا ولكم عهد علينا أننا من نؤذيكم.
ـ إننا نرفض عهود المشركين.. لقد غدرتم بنا ومن نشق بكم.
سلّ مرثد سيفه وقال:
ـ لن استسلم أبداً
وصاح خالد:
ـ وأنا أيضاً
وكذلك فعل عاصم.
وجرت معركة استشهدوا فيها أما زيد وخبيب وعبد الله، فوافقوا على أن يسلموا أنفسهم فأسرهم المشركون وشدّوا أيديهم بالجبال وواصلوا طريقهم نحو مكة حتى وصلوا منطقة الظهران.
شعر عبد الله بن طارق بالندم لماذا سلّم نفسه؟ أليس الأبدر أن يقاتل كما قاتل إخوته في الإيمان؟ حاول أن ينتزع يده من الحبل، بذل كل جهده خلال الطريق إلى أن تمكن ثم استل سيفه لم يجرؤ أحد منه على مواجهة ابعدوا عنه وراحوا يرمونه بالحصى وشظايا الصخور إلى أن هدى شهيداً حرّا وتركوه وساروا، طلب خبيب منهم أن يصلّي عليه ويواروه الثرى ولكنهم رفضوا ذلك.