مدرسة الحياة

كانت زينب تلميذة في الصف الخامس الابتدائي؛ زينب تلميذة مجتهدة تأتي الصباح الباكر تدخل إلى الصف قبل غيرها.

ذات يوم جاءت إلى المدرسة ودخلت إلى الصف وهي تكاد تسقط على الأرض من شدّة التعب.

 المعلمة ألقت عليها نظرة وهي تشعر بالأسف من اجلها ثم استأنف الدرس.

كانت زينب تحاول أن تبدو طبيعية وأن تصفي إلى معلمتها، ولكنها تجد نفسها في كل مرّة تسرح في عالم بعيد، وكانت عيناها المتعبتان تشقان حزناً صامتاً.

أنّ الجرس معلناً انتهاء الدرس، وانقلب الهدوء فجأة إلى ضجة، ثم ما لبث الصمت أن عادة مرّة أولى مخيماً على الصف بعد أن ضد تماماً من التلميذات.

كانت زينب ما تزال جالسة في مقعدها؛ وقفت المعلمة وراحت تنظر إليها عدّه ثوان أرادت أن تتحدث معها وأن تعرف الشيء الذي جعل زينب تتأخر في دروسها وأحياناً في حضورها، لقد كانت زينب قدرة في دراستها واهتمامها.

اقتربت المعلمة من زينب ولكنها شعرت بالبأس فلا، حدثتها، نصحتها ولكنها، تجد جواباً سوى الصمت والدموع قالت المعلمة:

ـ زينب

رفعت زينب رأسها ونظرت إلى معلمتها ثم خفضت رأسها تنتظر ما ستقوله معلمتها وطال الانتظار؛ لم تجد المعلمة حديثاً أفضل من الصمت، فغادرت الصف دون أن تقول شيئاً.

كان الطقس حزيناً هو الآخر وكانت السماء مليئة بالغيوم الداكئة وقطرات المطر تتساقط بحزن، زينب جالسة في مكانها ولكن قلبها يسرح في مكان بعيد، تجدّدت ذكرى والدها الذي سافر بعيداً دون عودة، فدمعت عيناها.

في مكتب إدارة المدرسة كانت المعلمة تتحدث إلى المديرة حول زينب فقالت بشيء من الأسف.

ـ إذا استمر حضورها بهذا الشكل فإنها قد لا تتمكن من النجاح في الامتحانات القادمة.

قالت المديرة:

ـ ولكن ماذا تفعل؟ إنها يتيمة كما أن أمها تعمل من الصباح إلى المساء من أجل لقمة العيش، فماذا يمكننا أن تطلب منها؟

قالت المعلمة:

ـ سوف أتحدث معها يشكل نهائي.

رن جرس الجرس معلناً بدء الدرس الجديد، قلت ساحة المدرسة والممرات من التلميذات وعاد الصمت يخيم عن المدرسة حتى أن صوت المطر كان يسمع بوضوح.

كانت زينب التي طلبت المديرة حضورها إلى مكتب الإدارة تتجه نحو المكتب وكان قلبها يخفق قلقاً فوراء ذلك تأنيب وتوبيخ، ولم يخطر ببالها أن تصل الأمور إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير.

ـ زينب!

قالت المديرة ذلك وهي تنظر إلى زينب بامعان ثم أضافت:

ـ أن دوامك لا يحظر بالرضا أبداً ، وقد قررت الإدارة أن توجه إليك إنذاراً نهائياً وإلا فأن مصيرك سيكون الطرد من المدرسة.

قالت زينب وهو تكاد تبكي:

ـ ولكنني لم اقصّر في أداء واجباتي؟!

قالت المديرة:

ـ والنظام واحترام الدوام مطلوب يا زينب

ـ لكن…

ـ لكن ماذا عودي إلى صفك:

عادت زينب وهي تفكر في هذه المشكلة الجديدة، طرقت الباب برفق ودخلت الصف، جلست في مقصدها وكانت عيناها مليئتين بالدموع.

نظرت المعلمة إليها بإشفاق، حتى إنها لم تستطع استئناف الدرس، اقترب من النافذة وراحت تنظر إلى المطر وتفكر في زينب، هل هناك ما يمكن أن تفعله تجاه هذه التلميذة! هل من فائدة من التحدث إلى أمها!

كانت التلميذات يتحدثن بهمس، وكانت زينب تفكر في الماضي والمستقبل وكانت المعلمة تفكر في حل ما وكان المطر يتساقط هادئاً حزيناً إلى رن الجرس.

كانت السماء ما تزال غائمة وكانت المعلمة ما تزال تفكر وهي في طريقها إلى منزل زينب، طرقت الباب طرقات خفيفة ووقفت تنتظر، فتح رجل الباب مستفهماً.

ـ تفضلي!

قالت المعلمة

ـ أليس هذا منزل أم زينب؟

قال الرجل:

ـ لقد أخطأت العنوان يا سيدتي!

ـ ولكن هذا منزلها أنني متأكدة.

قالت الرجل مستدركاً وهو ينظر إلى حيرة المعلمة.

ـ ربما، لقد استأجرنا هذا البيت حديثاً.

وفي الأثناء شاهدت المعلمة فتاة وتذكرت إنها كانت قدر أنها تلعب مع زينب، قالت الفتاة:

ـ لقد انتقلت منذ شهور

قالت المعلمة:

ـ وهل تعرفين العنوان الجديد؟

قالت الفتاة:

ـ نعم أن بيتها الجديد قريب.

في الطريق إلى بيت أم زينب الجديد حكت الفتاة أشياء كثيرة عن زينب وأمها وكيف طلب صاحب الدار الانتقال بعد تأخر أم زينب في رفع الإيجار، وتحدثت عن مرضها وتغير زينب التي لم يعد احد يراها في الزقاق.

وعندما صارتا قرب المنزل استدارت الفتاة إليها وعادت مسرعة.

تقدمت المعلمة نحو الباب ودق قلبها مع دقات الباب لم تسمع جواباً.

وبعد مدة فتح الباب وظهرت امرأة تتوكأ على عكاز أشرقت الابتسامة في وجه أم زينب المكدود كما تشرق الشمس في سماء مليئة بقطع العنين ودعتها إلى الدخول.

دخلت المعلمة وألقت نظرة على البيت الذي بدأ خالياً من قطع الأثاث.

وبعد أن جلست وتبادلت مع أم زينب عبارات الترحيب

قالت المعلمة:

ـ لقد جئت لأتحدث إليك حول ابنتك إنها متأخرة في دروسها كثيراً كما إنها تحضر متأخرة أحياناً

قالت أم زينب بدهشة:

ـ زينب .. دروسها! ربما أخطأت العنوان يا ابنتي ليس عندي بنت في المدرسة

ـ وزينب أليست ابنتك؟!

قالت الأم:

ـ نعم لكنها تركت المدرسة منذ شهور وهي الآن تقدم بغسل الثياب فأنا كما ترين عاجزة عن العمل منذ…

قالت المعلمة:

ـ لقد فهمت

قالت المعلمة ذلك وألقت نظرة على ساحة البيت، كانت الثياب المنشور على الحبال تخفق كالأعلام.

قالت المعلم:

ـ ولكن زينب ما تزال في المدرسة غير إنها تتغيب في بعض الأحيان، ولم أكن..

قالت الأم:

ـ ما تزال في المدرسة… ماذا تغيبن؟!

قالت:

ـ أعني…

وفي هذا اللحظة فتح الباب وظهرت زينب وهي تحمل سلّة مليئة بالثياب.

فوجت زينب بوجود معلمتها وسقطت السلّة من يدها كما سقط كتاب الحساب وجمدت في مكانها مفرقة الرأس بماذا تجيب معلمتها وماذا تقول لأمها!

قالت المعلمة:

ـ ارفعي رأسك يا زينب ليس هناك ما يدعو إلى الخجل، إنني فخورة بك، لأنك لم تتركي الدراسة رغم عملك الشاق وصعوبة الامتحان مدرسة الحياة.

وفي اليوم التالي كانت التلميذات ينظرن بعد أن استمعت إلى قصتها بإعجاب واحترام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى