يوم هاجت الريح
في شعبان من السنة الخامسة للهجرة وصلت الأخبار إلى النبي الأكرم (ص)، أن بني المصطلق يحشدون قواتهم لغزو المدينة المنورة.. أمر النبي (ص) بالاستعداد والتوجه إليهم ومباغتتهم في عقر ديارهم.
كان بنو المصطلق أحد الأقوام من قبيلة خزاعة في الحجاز ويسكنون في المناطق القريبة من مكة في جهة البحر الأحمر عيّن النبي (ص) زيد بن حارث لإدارة شؤون المدينة وقاد بنفسه سبعمئة من المهاجرين والأنصار، وراح جيش النبي (ص) يطوي المسافات.. يسيرون في الليل ويكنون في النهار..
فوجئ بنو المصطلق بالهجوم وسرعان ما استسلموا أمام عزيمة المسلمين وهم يقاتلون في سبيل الله صفاً واحداً أُخوه متحابين يعملون في سبيل إعلاء كلمة الله وتحطيم الأوثان والأصنام وتحرير الناس من الطغاة.
خرج المسلمون بنصر الله سبحانه وتعالى.. أما منافقين فقد كانوا يتظاهرون فقط. إنهم يضمرون في قلوبهم الكفر ويظهرون الإيمان.. وعندما يصادف أن تقع مشكلة فإنهم يستغلون ذلك للدنس والتآمر.
أجير يعمل لأحد المهاجرين مع رجل من الأنصار على البئر فقد تعلّق دلو جهجاه بن سعيد الأجير مع دلوا أنس بن سيّار وكان حليفاً لقبيلة الخزرج… وتشاجرا خرج جهجاه إنه دلوي.
فصاح أنس: بل دلوي.
وتشاجرا فضرب جهجاه أنس بن سعيد على رأسه فسال الدم.
فصاح بأعلى صوته:
ـ يا للخزرج.
وصاح جهجهاه:
ـ يا لقريش.
فتبادر رجال من الأنصار إلى سيوفهم ونهض رجال من المهاجرين إلى أسلحتهم وأطلّ الشيطان برأسه يريد أن يوقع بين الأُخوة بالحرب.
كان عبد الله بن أبيّ وهو زعيم المنافقين جالساً في جمع من قومه فسمع الصياح فسأل:
ـ ما هذا الصراخ؟!
وجاء رجل من القبيلة شهد الحادثة فأخبره:
ـ أن رجلاً من المهاجرين ضرب أنس بن سيّار على رأسه فسال الدم منه..
احمّر وجه عبد الله بن أبيّ من الغيظ وقال:
ـ إني لأذلّ العرب.. ما ظننت أني أعيش لأسمع مثل هذا ثم لا أستطيع تغييره.
والتفت إلى الجالسين وقال: (صدق القائل: سمّن كلبك يأكلك، إن هؤلاء الغرباء يزدادون قوة كل يوم وهاهم يجرؤون على ضربنا والاعتداء علينا هذا تقصيركم.. تستقبلون هؤلاء الغرباء وتسكنوهم في بيوتكم وتقدمون لهم الأموال وتدافعون عنهم.. إن كل ما نراه يحصل هو بسببه.. جاء وحيداً غريباً فجعلتموه سيّداً عليكم فما الذي حصلتم عليه غير الحرب ونسائنا أرامل وأطفالنا يتامىٰ..
كان زيد بن أرقم جالساً وكان فتى في الرابعة عشرة من عمره كان عبد الله بين أبيّ ما يزال يتكلم وتصوّر أن الجميع يؤيدون كلامه فقال:
ـ إذا رجعنا إلى المدينة فسوف يقوم الأعزّ بطرد الأذلّ إن علينا أن نطردهم ونحرمهم حتى يعودوا إلى ديارهم ونصبح السادة في ديارنا.
نهض الفتىٰ وقال بشجاعة:
ـ أنت والله الذليل ومحمد في عزّ من الرحمن وحب المسلمين والله لا أحبك بعد كلامك هذا.
فوجئ عبد الله بكلمات الفتىٰ فتراجع قائلاً:
ـ اسكت يا فتىٰ إنّما كنت أمزح.
نهض زيد وغادر المكان.
قال عبد الله بن أبيّ وهو ينظر إليه بحقد:
ـ انظروا أين وصل بنا الحال!! صبي صغير يقف بوجه ملك الخزرج..
برق الشرّ في عيون الجالسين
* * *
كان النبي جالساً عندما جاء الفتىٰ زيد وأخبره بما جرىٰ… قال عمر بن الخطاب:
ـ إنه يستحق القتل يا رسول الله:
شعر النبي بالخطر أن يؤدي التوتر إلى حرب بين الأخوة التفت إلى صاحبه وقال:
ـ يا عمر! تريد أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه!!
ـ ماذا ترىٰ يا رسول الله؟
قال النبي (ص):
ـ أعلن للناس وناد في الرحيل.
ـ الآن!!
نعم الآن.
أدرك العقلاء أن رسول الله (ص) أراد أن يشغل الجميع عما حصل ويطفئ نار الفتنة.. كان النبي (ص) جالساً في ضلال شجرة من شدّة الحرّ.. فنهض إلى الرحيل..
بادر المسلمون إلى الاستعداد للرحيل فراحوا يحزمون أمتعتهم ويستعدون للرحيل..
كان بعض المسلمين لا يدري شيئاً عما حصل فتساءا بعضهم لماذا أمر النبي (ص) بالرحيل في هذا الوقت؟
وقال آخر:
ـ الشمس تصبّ علينا لهيبها..
ـ ربما حدث شيء..
انطلق الصحابي أسيد بن حضير للقاء النبي (ص) وحياه قائلاً:
ـ السلام عليك يا رسول الله.
ـ وعليك السلام ورحمة الله.
ـ يا رسول الله إن هذا وقت ما كنت ترحل فيه..
قال النبي (ص):
ـ أما سمعت ما قال صاحبك؟
ـ ومن صاحبي؟
ـ ابن أبيّ! زعم أنه إن رجع إلى المدينة أخرج الأعزّ منها الأذلّ..
قال أسيد:
ـ فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت.. هو والله الذليل وأنت العزيز..
وسكت لحظات إنه يعرف عبد الله بن أبيّ جيداً إنه لا يحب رسول الله (ص) لأنه عندما وصل إلى المدينة كان عبد الله على وشك أن يتوج ملكاً لهذا قال أسيد للنبي (ص):
ـ يا رسول الله أرفق به فوالله لقد جاء الله بك وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه.. إنه ليرىٰ أنك قد استلبته ملك يثرب..
كان الصحابي عمر بن الخطاب يرىٰ ضرورة قتل ابن أبيّ وسرت شائعة أن النبي (ص) سوف يأمر بإعدامه وسمع ابنه بذلك وكان اسمه عبد الله أيضاً فأسرع إلى النبي (ص)..
كان عبد الله شاباً مؤمناً مخلص في إيمانه وكان يحب رسول الله (ص) حباً عميقاً.. كان يبرّ أباه وكان ينصحه بالإيمان بالنبي (ص) وحب الرسول والتخلص من مرض النفاق.. جاء عبد الله إلى النبي (ص) وحيّاه وقال:
ـ يا رسول الله سمعت أنك تريد قتل أبي فإن أردت ذلك حقاً فدعني أقتله.. إن قبيلة الخزرج كلها تعرّف أنني أبرّ ابن بوالديه.. لكني أخشىٰ أن تأمر أحداً غيري بقتله فتسوّل لي نفسي أن أقتل قاتل أبي لأني قد لا أطيق رؤية قاتل أبي يمشي بين الناس.. وحينئذٍ سوف أقتل مؤمناً من أجل كافر فأدخل النار..
قال النبي (ص):
ـ بل ترفق به وتحسن إليه ما بقي معنا.
حيّا الشاب المؤمن رسول الله وانصرف مرتاح الضمير وكان بعض المسلمين حاضراً فأعجبوا بموقفه..
ـ آه ما أشد الفرق بين هذا الفتىٰ وأبيه..
هذا يحب رسول الله وذاك يكرهه.
ـ صدق الله عزّ وجلّ وهو يقول: >يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ<.
شعر المسلمون بالتعب لكن القائد لم يسمح لهم بالتوقف إلا من أجل الصلاة أما الاستراحة فلا.. لهذا ساروا طوال النهار ثم أمضوا الليل أيضاً وهم يسيرون ومع طلوع الفجر توقفوا للصلاة فقط فهم استأنفوا المسير..
أشرقت الشمس وهم ما يزالوا يواصلون السير النبي (ص) لم يسمح بالتوقف..
ارتفعت الشمس إلى وسط السماء وراحت ترسل أشعتها اللاهبة.
وكانوا يشعرون بالتعب والإرهاق الشديد وإضافة إلى ذلك كانت الشمس تصبّ عليهم لهيبها..
وجاءت الأوامر النبي (ص) بالتوقف للاستراحة..
كان هم كل واحد منهم أن يجد مكاناً للاستراحة والتقاط الأنفاس.. كلهم دون استثناء كان يشعر بالإرهاق والحاجة إلى النوم… لهذا لم يتبادلوا الكلام مع بعضهم البعض… أما ما جرىٰ عند البئر فقد نسيه الجميع تماماً…
المؤمنون كانوا يتحملون التعب برضا ففيه ثواب أن طاعة النبي (ص) واجبة والثواب على قدر المشقة..
لكنهم لا يستطيعون أن يقولوا شيئاً بعضهم خائف أن يصدر منه كلام فينقله زيد أو عمرو ثم يعاقب كما أنهم كانوا متعبين مرهقين وكان همّ كل واحد منهم متىٰ يسمح لهم بالتوقف…
وهكذا تمكّن النبي (ص) بحكمته أن يطفئ نار الفتنة.. إنها أخطر عليهم من هجوم المشركين جميعاً.. إذ لا شيء أخطر من وقوع الفرقة والحرب بين الأُخوة.. إنه يترك جراحاً أكثر ألماً…
ومرّت عدّة ساعات عندما جاءت الأوامر من الرسول الأكرم (ص) باستئناف المسير… وسار المسلمون إلى أن جنحت الشمس للمغيب واختفت وراء الأفق فتوقفوا للصلاة.. ثم واصلوا السير وصل المسلمون إلى آبار على بعض أربعين ميلاً من البقيع فأمر النبي (ص) بالتوقف للاستراحة..
بدأ هبوب رياح راحت تشتد وتشتد…
ـ إنها العاصفة.
ـ نعم إنها العاصفة.
هكذا كانوا يتحدثون..
اجتثت العاصفة بعض الخيام.. وبدأ بعضهم يصرّح بخوفه.. سوف تمزقنا هذه العاصفة.. إنها ريح شديدة وقد تدفننا الرمال إذا استمرّت…
وافتقد النبي (ص) ناقته.. لقد ضاعت وتاهت وانبرىٰ بعض المؤمنين للبحث عنها ولكن دون فائدة.. لقد دفعتها الرياح بعيداً… بدأت المخاوف تساور الجميع من شدّة العاصفة.. في هذا الليل البهيم.
قال النبي (ص) مطمئناً:
ـ لا تخشوا شيئاً.. لقد مات اليوم منافق عظيم عظيم النفاق في المدينة.. تساءل أحد المؤمنين: ومن هو يا رسول الله؟
قال (ص): إنه رفاعة.
قال أحدهم في دهشة:
ـ رفاعة بن زيد.
ـ إنه أحد عظماء يهود بني قينقاع..
ـ كان إسلاماً ظاهري… إنه أحد رؤوس النفاق في المدينة سمع أحد المنافقين بذلك فقال بحقد لبعض أصحابه:
ـ يزعم أنه يعلم الغيب.. ولا يعلم مكان نافته.. ألا يخبره الذي يأتيه بالوحي…
وفي تلك اللحظات هبط الأمين جبرئيل وألقى كلمات الوحي على قلبه فأشرق.
قال النبي (ص):
ـ ما أزعم أني أعلم الغيب وما أعلمه ولكن الله تعالى أخبرني بقول المنافق وبمكان نقتي.. إنها في ذلك الوادي قد حاصرتها الريح…
وانطلق اثنان من المؤمنين نحو الوادي وسرعان ما جاءا وهما يقودان ناقة الرسول (ص).. وفي هذه اللحظة دخل الإيمان في قلب المنافق فنظر إلى السماء وتاب وأناب وأصبح أحد المؤمنين.
وجاء قوم من الخزرج إلى ابن أبي يلومونه على ما قال فأنكر وقال:
ـ أتصدّقون كلام هذا الصبي.. أنه لواهم..
ـ إذن هيا إلى النبي لتخبره بكذب زيد.
انطلق ابن أبي ومعه بعض قومه وراح يحلف بالله أنه لم يقل ذلك وإن زيد يكذب عليه.. أو أنه يتوهّم ثم قال:
ـ والله إني أشهد أنك رسول الله.
سكت النبي (ص) وهذا يعني أنه قبل اعتذاره…
وراح بعض المسلمين بلوم زيداً..
ـ إنه صبي أرعن.
ـ تخيل أشياء لم يسمعها ثم ينقل ذلك إلى النبي (ص).
ـ إنه يهين زعيم الخزرج.
ـ سوف لم يمرّ ذلك دون عقاب.
ـ لقد قاسينا ما قاسينا بسبب هذا الصبي الكذاب كان زيد حزيناً جداً فالجميع يعدّه كاذباً وأسوأ من ذلك أن رسول الله ربما يظنّه واهماً!
قال في نفسه:
ـ إن المنافق جبان بطبيعته لو كان ابن أبيّ شجاعاً لما أنكر ذلك حتىٰ صلاته يؤديها بكسل إلا إذا شعر بأنه أحداً هناك حينئذٍ يؤديها بنشاط.. لهذا يتلفتون هنا وهناك في خوف من أن يرىٰ الناس حقيقتهم ولكن كبار القوم مع ابن أبيّ يصّدقونه ويلومون زيداً على كل ما جرىٰ!!
كان زيد مطرقاً برأسه إنه لا يستطيع أن يرفع رأسه لا يحب أن يرىٰ احداً أو أن يراه أحد..
كان زيد يسير بالقرب من النبي (ص). كان مطرقاً حزيناً يشعر بالخجل من النبي (ص)…
رفع رأسه ونظر إلى السماء وقال:
ـ إلهي إنك تعلم أني لم أكذب.
ودمعت عيناه…
ومرّت دقائق… فجأة رأىٰ ناقة النبي (ص) تتوقف والنبي (ص) في حالة تشبه الإغماء…
ـ آه لقد أخذته الرحاء.
ـ إنه يتلقىٰ الوحي من السماء.
ـ الناقة تكاد تبرك.
ـ هذا من ثقل الوحي..
كانت جبهة النبي (ص) تصبّ عرقاً.. وشيئاً فشيئاً خفت حالته وسرّي عنه.. نظر إلى زيد بحنان وقال:
ـ يا فتىٰ صدق قولك ووعن قلبك وأنزل الله فيك قرآناً..
فرح زيد بالبشرىٰ أنه يستطيع أن يرفع رأسه عالياً إن الله صدّق قوله: >إنه ليس بكاذب ولا واهم…<
وصل المسلمون إلى المدينة المنورة.. كان عبد الله بن أبي عبد الله بن أبيّ قد سبق الجميع ليقف في مدخل المدينة.. ترىٰ لماذا فعل ذلك وماذا ينتظر هنا لماذا لا يذهب إلى منزله؟.. ألا يشعر بالتعب؟…
كان المسلمون يدخلون المدينة فيرون عبد الله واقفاً وعندما جاء أبوه إذا بالابن يشهر سيفه ويهدد أباه وقطع عليه الطريق صاح الأب غاضباً:
ـ ويلك ماذا تفعل؟!
ـ والله لا تدخل المدينة حتىٰ يأذن لك رسول الله وحتىٰ تعلم من هو الأعزّ ومن هو الأذلّ.
ـ اللعنة عليك.
ـ والله لا تدخل المدينة إلا بأمر من نبي الله.
جحظت عينا ابن أبيّ من الغيظ والحقد ماذا لو لم يسمح له النبي بالدخول! إن هذا لهو ذل.. إني لأذلّ أهل يثرب.
وصل الخبر إلى النبي (ص) فأرسل إلى عبد الله: دعه يدخل.
فقال عبد الله:
ـ أما إذا جاء رسول الله فنعم..
دخل ابن أبيّ المدينة وهو يشعر بالذل والخزي والعار سمع أحدهم يقول:
ـ لقد فضح الله المنافقين..
واجتمع المسلمون حول النبي (ص) فتلا عليهم كلمات الله:
>إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ * وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ * سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَاسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ<.
ورأىٰ المسلمون جنازة في تابوت…
ـ إنها جنازة رفاعة.. لقد مات.
ـ صدق رسول الله.
ـ وأخيراً مات هذا المنافق.
ـ لقد استرحنا من كيده وتآمره.
وانطلق بعض زعماء الخزرج إلى منزل عبد الله بن أبيّ.
قال أحدهم:
ـ لقد أنزل الله فيك آيات شديدة تشهد بكذبك وصدق الفتىٰ زيد.
وقال آخر:
ـ الأفضل أن تذهب رسول الله فتعتذر إليه.
ـ نعم، تعال إلى النبي ليستغفر لك!
لوىٰ ابن أبيّ رأسه وقال بحقد:
ـ أمرتموني أن أؤمن فقد آمنت.. وأمرتموني أن أعطي الزكاة فقد أعطيت.. فما بقي إلا أن أسجد لمحمد والآن اخرجوا من داري… ان قلبي يؤلمني بشدّة فنهضوا وغادروا قال أحدهم:
ـ هل يشتكي ألماً في قلبه حقاً؟ أم تراه كاذباً؟
ـ إنه صادق في ذلك فهو من الذين في قلوبهم مرض.
ـ صدق الله عزّ وجلّ ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم..
ـ أرئيتم كيف لوىٰ عنقه ورأسه عندما قلت له: تعال يستغفر لك النبي؟!
ـ ألم تسمع قوله تعالى: >لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ<.
ـ الله أكبر صدق الله ورسوله.
وما هي إلا أيام حتىٰ مات ابن أبيّ وارتاح المسلمون من نفاقه كان زعيماً للمنافقين وكان يكيد ويتآمر من أجل القضاء على الإسلام..
تارة يتصل بالمشركين في مكّة ويحرّفهم وتارة يتصل باليهود ويحركهم..
ـ حتىٰ أهلكه الله سبحانه.
ـ وأراحنا من شرّه.
وفي منزل زيد بن أرقم قال زيد لعمه:
ـ أرأيت يا عم كيف فضح الله المنافقين؟
ـ نعم، يا بن أخي بارك الله فيك.. ولكن ما الذين دفعك لإخبار النبي (ص)؟
ـ لقد رأيت الشرّ في عيونهم ورأيت أيديهم تمتد إلى سيوفهم لقد كانوا يريدون الشرّ بالمسلمين وإحداث الفتنة والعودة إلى الجاهلية.
ـ نعم، سمعت رسول الله ذلك اليوم يقول:
(دعوها فإنها منتهية .. أجل والله إنها ريح نتنة إننا جميعاً أخوة..)
ـ إنما المؤمنون أُخوة.
ـ صدق الله ورسوله..