السلام عليك يا روح الله
في زمن بلغه الضباب والدخان .. في زمن الشيطان .. في زمن رسم الرعب ملامحه في المدن الخائفة .. العالم مستسلم بين أنياب تنزّ صديداً في هذا الزمن اليائس .. اهتزت الأرض وربت وأنجبت روح الله ..
وجه يحمل شارات الأنبياء وامتدادات السماء .. سيفاً قرآناً .. صهيلاً مخزوناً من أرض كربلاء من يوم عاشوراء ..
وتشرق شمسٌ جديدة تغمر الدنيا بالنور والدفء والأمل .. وترفع النوق في الصحارى رؤوسها .. هناك في الأفق البعيد قافلة قادمة يقودها وارث الحسين ..
السلام عليك يا روح الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك .. السلام عليك أبها المسكون بهاجس الرحيل المبهور بالسفر ..
أيها القادم إلينا من أعماق التاريخ والإنسان .. يا بشارة هذا العصر!
السلام عليك يا روح الله .. أيها القادم من هناك .. من أرض كربلاء .. جواداً ينبعث من أعماق رمال الصحراء .. صوتاً فيه أنغام الزبور وتراتيل التوراة .. بشارة الإنجيل وآيات القرآن العظيم ..
السلام عليك يا روح الله .. أيها الروح الذي حطّم أصنام الطغاة .. أيها القلب الذي أصبح نبعاً للحياة .. وطريقاً للنجاة مذ رأيناك .. رأينا آية الله .. معجزات الأنبياء .. في قبضتك عصا موسى .. تنسف سحر الشياطين .. فأسُ إبراهيم تهشم وجوه الآلهة المزيّفة .. في عينيك بريق الحسين والجراح التي هزمت سيوف القبائل ..
ما يزال حضورك قوياً رغم غيابك .. أيها الشاهد الغائب والغائب الشاهد .. قبرك يرفض صمت المقابر .. وصمتك العجيب يتحدث بلغة مدهشةٍ .. هي أبلغ من كل أبجديات الدنيا ..
أنا لن أصدق أبداً خرافة موتك .. فالذين التحقوا بقافلة الحسين لن يموتوا .. لقد حطّموا جدران الزمن الصدئة .. واكتشفوا سرّ الخلود ..
فالسلام عليك يوم ولدت ويوم رحلت ويوم يقوم الناس لرب العالمين ..
الثورة الإسلامية
أنا انتمي إلى جيل عايش بلحمه ودمه وآلامه وآماله بدء غليان الثورة الإسلامية في إيران ومن قبل اندلاع انتفاضة صفر الكبرى في شباط 1977م .. عندما أعلن نظام العفالقة حظراً على زيارة الإمام الحسين سيراً على الأقدام ..
وقد حاصرت دبابات النظام المنحط مدينتي كربلاء والنجف الأشرف وقامت طائرتا ميغ 21 بتحطيم حاجز الصوت فوق رؤوس الزوار الثائرين ..
بدأت ملحمة الثورة الإسلامية في خريف 1978 وكان جيلي يتابع باستمرار على إذاعة صوت كارلو أخبار الثورة والمظاهرات المليونية ولن أنسى أبداً تلك الظهيرة العظمى .. عندما دوّى نداء القسم العربي بإذاعة طهران: هنا طهران صوت الثورة الإسلامية في إيران ..
كان ذلك الحادي عشر من شباط 1979 وكان يصادف الـ 13 من ربيع الأول ..
فإذا كانت الثورة الإسلامية في إيران هي معجزة الإمام الخميني .. فإن قوافل الشهداء في إيران والعراق وفي البحرين واليمن ولبنان هي معجزة هذه الثورة المباركة .. التي ما تزال حتى الآن متوهجة متألقة تضيء الطريق للأحرار ..
أجل .. ما تزال الثورة مستمرة متوقّدة لسبب واحد فقط لأنها تستمد زيتها من ثقافة عاشوراء .. ثقافة الحرية والكرامة الإنسانية .. تستمد طاقتها من كلمات دوّت على شطآن الفرات .. في صفين: الموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين ..
ما أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما .. ومن كلمات علي بن الحسين: لا يحق للمؤمن أن يكون ذليلاً ..
إنها الثقافة التي جعلت الشهيد سليماني يتمنى الشهادة ويقول: عندما تنتهي المعركة يخسر الجميع ويفوز الشهداء .. إنها ثقافة الحرية والكرامة الإنسانية .. ثقافة الحب الإلهي في مواجهة التوجه الدنيوي .. الخطر الأكبر الذي يتهدد مصير الإنسان المؤمن ومسيرته .. من أجل هذا ينبغي الاحتفاء بالشهداء .. من أجل هذا قال: عندما تنتهي المعركة يخسر الجميع ويفوز الشهداء ..